فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخطيب الشربيني:

وقول البيضاوي: إنّ ذلك الوعد لما عادوا إلى مصر بعد هلاك فرعون تبع في ذلك الكشاف ولم يعرف ذلك لغيرهما وإنما كانوا بالشام لأن إتيان موسى للميقات كان بطور سيناء وهو بالشام لا بمصر وقد قال البهاء بن عقيل في تفسيره: لم يصرّح أحد من المفسرين والمؤرّخين بأنهم دخلوا مصر بعد خروجهم منها.
فإن قيل: قوله تعالى: {فأخرجناهم من جنات} إلى قوله تعالى: {وأورثناها بني إسرائيل} يقتضي أنهم عادوا إليها. أجيب: بأن المعنى أن الله تعالى أورثهم وملكهم إياها ولم يردّهم إليها وجعل مساكنهم الشام. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)}.
شتَّان بين أمة وأمة؛ فأُمَّةُ موسى عليه السلام- غاب نبيُّهم عليه السلام أربعين يومًا فاتخذوا العِجْلَ معبودَهم، ورضوا بأن يكون لهم بمثل العجل معبودًا، فقالوا: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِىَ} [طه: 88] وأمة محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم مضى من وقت نبيِّهم سنون كثيرة فلو سمعوا واحدًا يذكر في وصف معبودهم ما يوجب تشبيهًا لما أبْقَوْا على حشاشتهم ولو كان في ذلك ذهاب أرواحهم.
ويقال إن موسى- صلوات الله عليه- سلَّم أمته إلى أخيه فقال: اخلفني في قومي، وحين رجع وجدهم وقعوا في الفتنة، ونبيُّنا- صلوات الله عليه- توكَّل على الله فلم يُشِرْ على أحَدِ في أمر الأمة وكان يقول في آخر حاله: الرفيق الأعلى. فانظر كيف تولَّى الحق رعاية أمته في حفظ التوحيد عليهم. لعمري يُضَيِّعون حدودَهم ولكن لا ينقضون توحيدَهم. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا موسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}.
قال ابن عرفة: يمتنع أن يكون أربعين ليلة ظرفا لأن ظرف الزمان المحدود العمل فيه كله، ويمتنع أن يكون مفعولا، لأنها ليست هي الموعودة إنما الموعود موسى عليه السلام.
قال الزمخشري: وعده الله الوحي، ووعده موسى المجيء للميقات، فكأنه مواعدة من الجانبين، وأبطله الطيبي بأن فيه تقدير مضافين معطوفين.
وهو باطل.
قال ابن عرفة: إنما يريد واعدنا موسى مناجاة أربعين ليلة، وملاقاة أربعين ليلة، والمناجاة تستلزم مجيء موسى إلى الميقات، لأنها بعد الأربعين لأن الله تعالى جعل له عبادة هذه الأربعين ليلة ووِصَال صيامها كلها ليلا ونهارا سببا في مناجاته إياه بعدها بما طلب من التوراة والصحف والألواح.
قوله تعالى: {ثُمَّ اتخذتم العجل مِن بَعْدِهِ}.
منع أبو حيان عود الضمير إلى الوعد للتناقض، لأن {ثُمَّ} للتراخي و{من} في {مِن بَعْدِهِ} تقتضي ابتداء الغاية فهي لأول أزمنة البعدية.
وأجاب ابن عرفة: بأن الأولية مقولة بالتشكيك، ألا تراهم يؤرخون بأوائل الشهر في العشرة الأول كلّها.
قيل له: ابتداء الغاية ما يصدق إلا على أول جزء.
قوله تعالى: {وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ}.
أي لا شبهة لكم في اتخاذه، بل ذلك محض ظلم منكم وتعنت. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِذْ واعدنا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} لما جاوز بنو إسرائيل البحر سألوا موسى عليه السلام أن يأتيهم بكتاب من عند الله فوعده سبحانه أن يعطيه التوراة وقبل موسى ذلك، وضرب له ميقاتًا ذا القعدة وعشر ذي الحجة أو ذا الحجة وعشر المحرم فالمفاعلة على بابها، وهي من طرف فعل، ومن آخر قبوله مثل عالجت المريض وإنكار جواز ذلك لا يسمع مع وروده في كلام العرب وتصريح الأئمة به وارتضائهم له، ويجوز أن يكون {واعدنا} من باب الموافاة وليس من الوعد في شيء وإنما هو من قولك موعدك يوم كذا وموضع كذا، ويحتمل أن يكون بمعنى وعدنا وبه قرأ أبو عمرو، أو يقدر الملاقاة، أو يقال بالتفكيك إلى فعلين فيقدر الوحي في أحدهما؛ والمجئ في الآخر ولا محذور في شيء كما حققه الدامغاني، وقول أبي عبيدة: المواعدة لا تكون إلا من البشر غير مسلم، وقول أبي حاتم: أكثر ما تكون من المخلوقين المتكافئين على تقدير تسليمه لا يضرنا، وأربعين مفعول به بحذف المضاف بأدنى ملابسة أي إعطاء أربعين أي عند انقضائها، أو في العشر الأخير منها، أو في كلها، أو في أولها على اختلاف الروايات، أو ظرف مستقر وقع صفة لمفعول محذوف لواعدنا أي واعدنا موسى أمرًا كائنًا في أربعين، وقيل: مفعول مطلق أي واعدنا موسى مواعدة أربعين ليلة.
ومن الناس من ذهب إلى أن الأولى أن لا يقدر مفعول لأن المقصود بيان من وعد لا ما وعد وينصب الأربعين على الإجراء مجرى المفعول به توسعًا، وفيه مبالغة بجعل ميقات الوعد موعودًا وجعل الأربعين ظرفًا لواعدنا على حد جاء زيد يوم الخميس ليس بشيء كما لا يخفى، وموسى اسم أعجمي لا ينصرف للعلمية والعجمة، ويقال: هو مركب من مو وهو الماء وشى وهو الشجر وغُيّرَ إلى سى بالمهملة وكأن من سماه به أراد ماء البحر والتابوت الذي قذف فيه وخاض بعضهم في وزنه فعن سيبويه إن وزنه مفعل وقيل: إنه فعل وهو مشتق من ماس يميس فأبدلت الياء واوًا لضم ما قبلها كما قالوا طوبى، وهي من ذوات الياء لأنها من طاب يطيب، ويبعده أن الإجماع على صرفه نكرة ولو كان فعل لم ينصرف لأن ألف التأنيث وحدها تمنع الصرف في المعرفة والنكرة على أن زيادة الميم أولًا أكثر من زيادة الألف آخرًا، وعبر سبحانه وتعالى عن ذلك الوقت بالليالي دون الأيام لأن افتتاح الميقات كان من الليل، والليالي غرر شهور العرب لأنها وضعت على سير القمر، والهلال إنما يهل بالليل، أو لأن الظلمة أقدم من الضوء بدليل {وَءايَةٌ لَّهُمُ اليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار} [يس: 37] أو إشارة إلى مواصلة الصوم ليلًا ونهارًا ولو كان التفسير باليوم أمكن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل فلما نص على الليالي فهم من قوة الكلام أنه واصل أربعين ليلة بأيامها، والقول بأن ذكر الليلة كان للإشعار بأن وعد موسى عليه السلام كان بقيام الليل ليس بشيء لأن المروي أن المأمور به كان الصيام لا القيام، وقد يقال من طريق الإشارة: إن ذكر الليلة للرمز إلى أن هذه المواعدة كانت بعد تمام السير إلى الله تعالى ومجاوزة بحر العوائق والعلائق، وهناك يكون السير في الله تعالى الذي لا تدرك حقيقته، ولا تعلم هويته، ولا يرى في بيداء جبروته إلا الدهشة والحيرة، وهذا السير متفاوت باعتبار الأشخاص والأزمان ولي مع الله تعالى وقت يشير إلى ذلك.
{ثُمَّ اتخذتم العجل مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظالمون} الاتخاذ يجيء بمعنى ابتداءً صنعة فيتعدى لواحد نحو اتخذت سيفًا أي صنعته.
وبمعنى اتخاذ وصف فيجري مجرى الجعل ويتعدى لاثنين نحو اتخذت زيدًا صديقًا والأمران محتملان في الآية، والمفعول الثاني على الاحتمال الثاني محذوف لشناعته أي: اتخذتم العجل الذي صنعه السامري إلهًا، والذمّ فيه ظاهر لأنهم كلهم عبدوه إلا هارون مع اثني عشر ألفًا، أو إلا هارون والسبعين الذين كانوا مع موسى عليه السلام، وعلى الاحتمال الأول لا حاجة إلى المفعول الثاني ويؤيده عدم التصريح به في موضع من آيات هذه القصة، والذمّ حينئذٍ لما ترتب على الاتخاذ من العبادة أو على نفس الاتخاذ لذلك، والعرب تذم أو تمدح القبيلة بما صدر عن بعضها، والعجل ولد البقرة الصغير وجعله الصوفية إشارة إلى عجل النفس الناقصة وشهواتها وكون ما اتخذوه عجلًا ظاهر في أنه صار لحمًا ودمًا فيكون عجلًا حقيقة ويكون نسبة الخوار إليه فيما يأتي حقيقة أيضًا وهو الذي ذهب إليه الحسن، وقيل: أراد سبحانه بالعجل ما يشبهه في الصورة والشكل.
ونسبة الخوار إليه مجاز وهو الذي ذهب إليه الجمهور، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام على ذلك.
ومن الغريب أن هذا إنما سمي عجلًا لأنهم عجلوا به قبل قدوم موسى فاتخذوه إلهًا، أو لقصر مدته حيث إن موسى عليه السلام بعد الرجوع من الميقات حرقه ونسفه في اليم نسفًا، والضمير في بعده راجع إلى موسى، أي: بعد ما رأيتم منه من التوحيد والتنزيه والحمل عليه والكف عما ينافيه، وذكر الظرف للإيذان بمزيد شناعة فعلهم، ولا يقتضي أن يكون موسى متخذًا إلهًا كما وهمَ لأن مفهوم الكلام أن يكون الاتخاذ بعد موسى ومن أين يفهم اتخاذ موسى سيما في هذا المقام؟ ويجوز أن يكون في الكلام حذف، وأقرب ما يحذف مصدر يدل عليه {واعدنا} أي من بعد مواعدته؛ وقيل: المحذوف الذهاب المدلول عليه بالمواعدة لأنها تقتضيه.
والجملة الاسمية في موضع الحال، ومتعلق الظلم الإشراك، ووضع العبادة في غير موضعها، وقيل: الكف عن الاعتراض على ما فعل السامري وعدم الإنكار عليه وفائدة التقييد بالحال الإشعار بكون الاتخاذ ظلمًا بزعمهم أيضًا لو راجعوا عقولهم بأدنى تأمل، وقيل: الجملة غير حال بل مجرد إخبار أن سجيتهم الظلم وإنما راج فعل السامري عندهم لغاية حمقهم وتسلط الشيطان عليهم كما يدل على ذلك سائر أفعالهم واتخاذ السامري لهم العجل دون سائر الحيوانات، قيل: لأنهم مروا على قوم يعكفون على أصنام لهم على صور البقر فقالوا: {اجعل لَّنَا إلها كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ} [الأعراف: 138] فهجس في نفس السامري أن فتنتهم من هذه الجهة، فاتخذ لهم ذلك.
وقيل: إنه كان هو من قوم يعبدون البقر وكان منافقًا فاتخذ عجلًا من جنس ما يعبده. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)}.
قول الحق سبحانه وتعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} هذا الوعد كان لإعطاء موسى المنهج، فحينما كلّم الله سبحانه وتعالى موسى بجانب الطور.. كان هذا لإبلاغ موسى عليه السلام أنه رسول من رب العالمين- وأنه أرسله ليخلص بني إسرائيل من طغيان فرعون وعذابه.. وأنه سيمده بآيات ومعجزات.. حتى يقتنع فرعون وقومه أن موسى رسول من الله تبارك وتعالى.. بعد تكليف موسى بالرسالة وذهابه إلى فرعون.. وما حدث مع السحره ثم نجاة موسى وقومه.. بأن شق الله جل جلاله لهم البحر.. هذا في وقت لم يكن المنهج قد نزل بعد.. ولذلك بمجرد أن نجَّى الله سبحانه وتعالى موسى وقومه وأغرق فرعون.. كان لابد أن يتم إبلاغ موسى بالمنهج. وكان الوعد يشمل أربعين ليلة.. هذه الليالي الأربعون حددت كثلاثين أولا.. تم أتمها الحق سبحانه وتعالى بعشر أخرى.. واقرأ قوله سبحانه وتعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142].
وعندما يتكلم الدين عن الزمن يتكلم دائما بالليلة.. والسبب في ذلك أنك لا تستطيع أن تحدد الزمن بدقة بالنهار.. الشمس تشرق وتغرب ثم تعود لتشرق.. فإذا نظرت إلى قرص الشمس.. لا يمكن أن تحدد في أي وقت من الشهر نحن.. هل في أوله أو في وسطه أو في آخره.. ولكن إذا جاء الليل بمجرد أن تنظر إلى القمر تستطيع أن تحدد الزمن. فإذا كان القمر هلالا فنحن في أوائل الشهر.. وإذا كان بدرا فنحن في وسطه وهكذا.
إن هناك مقاييس دقيقة بالنسبة للقمر وقياس الزمن في عرف الناس؛ الإنسان العادي يستطيع أن يحدد لك الزمن بالتقريب بالليالي.. ويقول لك البدوي في الصحراء، هذا القمر ابن كذا ليلة.
وفي منطق الدين نحسب كل شيء بدخول الليل.. فهذه ليلة الأول من شهر رمضان نصلي فيها التراويح.. وليلة العيد لا تصلى فيها التراويح.. وليلة النصف من شعبان.. وليلة الإسراء والمعراج.
وفي كل مقاييس الدين الليل لا يتبع النهار إلا في شيء واحد هو يوم عرفة.. فلا نقول ليلة عرفة وإنما نقول يوم عرفة.. إذن الليلة هي ابتداء الزمن في الدين.. والزمن عند الله مدته اثنا عشر شهرا للعام الواحد.. السنة الميلادية تختلف عن السنة الهجرية.. والسبب في ذلك أن الله سبحانه وتعالى وزع رحمته على كونه.. فلو أن المواقيت الدينية سارت على مواقيت الشمس.. لجاء رمضان مثلا في شهر محدد لا يتغير.
يصومه الناس صيفا في مناطق محددة. وشتاء في مناطق محددة ولا يختلف أبدا.. فيظل رمضان يأتي في الصيف والحر دائما بالنسبة لبعض الناس.. وفي الشتاء والبرد دائما بالنسبة لبعض الناس.
ولكن لأن السنة الهجرية تقوم على حساب الهلال.. فمعنى ذلك أن كل نفحات الله في كونه تأتي في كل الفصول والأزمان.. فتجد رمضان في الصيف والشتاء.. وكذلك وقفة عرفات وكذلك كل المناسبات الدينية الطيبة.. لأن السنة الهجرية تنقص أحد عشر يوما عن السنة الميلادية.. والفرق سنة كل ثلاث وثلاثين سنة.
والحق سبحانه يقول: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}.
يريد أن يمّحص بني إسرائيل.. ويبين لنا كفرهم بنعم الله. فالله نجاهم من آل فرعون.. ولم يكادوا يعبرون البحر حتى رأوا قوما يعبدون الأصنام.. فقالوا كما يروى لنا القرآن الكريم: {يامُوسَى اجْعَلْ لَّنَا إِلَاهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138].
حدث هذا بمجرد خروجهم من البحر سالمين.. موسى عليه السلام أخذ النقباء وذهب لميقات ربه. وترك أخاه هارون مع بني إسرائيل.. وبنو إسرائيل عندما كانوا في مصر.. وكانوا يخدمون نساء آل فرعون.. أخذوا منهن بعض الحلي والذهب خلسة.. ومع أن فرعون وقومه متمردون على الله تبارك وتعالى.. فإن هذا لا يبرر سرقة حلي نسائهم.. فنحن لا نكافئ من عصى الله فينا بأن نعصي الله فيه.. ونصبح متساويين معهم في المعصية.. ولكن نكافئ من عصى الله فينا بأن نطيع الله فيه.
وأبو الدرداء رضي الله عنه حينما بلغه أن شخصا سبه.. بعث له كتابا قال فيه.. يا أخي لا تسرف في شتمنا.. واجعل للصلح موضعا فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.. بنو إسرائيل سرقوا بعض حلي نساء آل فرعون.. فجعلها الله فتنة لإغوائهم.. وزين لهم الشيطان أن يصنعوا منها عجلا يعبدونه.. صنعه لهم موسى السامري الذي رباه جبريل.. فأخذ الحلي وصهرها ليجعلها في صورة عجل له خوار.. وقال لهم هذا إلهكم وإله موسى.
أتعرف لماذا فتنهم الله سبحانه وتعالى بالعجل؟
لأن الذهب المصنوع منه العجل من أصل حرام.. والحرام لا يأتي منه خير مطلقا.. ولابد أن نأخذ العبرة من هذه الواقعة.. وهي أن الحرام ينقلب على صاحبه شرًا ووبالا، إن كان طعامك حراما يدخل في تكوين خلاياك ويصبح في جسدك الحرام.. فإذا دخل الحرام إلى الجسد يميل فعلك إلى الحرام.. فالحرام يؤرق الجسد ويسوقه إلى المعاصي.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: {يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحًا} وقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}، ثم ذكر، الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأَنَّى يستجاب لذلك».
وقد حصل لبني إسرائيل الشيء نفسه وسرقوا ذهب آل فرعون فانقلب عليهم ظلما، وقال الله تعالى عنهم: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}.
وعد الله لموسى كما قال أهل العلم كان ثلاثين ليلة.. إتمام الثلاثين ليلة يؤتيه ما وعد.. وكلمة وعد هي الإخبار بشيء سار. والوعيد هي الإخبار بشيء سيئ.. فإذا سمعت وعدا فأعرف أنَّ ما سيجيء بعدها خير. وإذا سمعت وعيدا تعرف أن ما بعدها شر، إلا آية واحدة وهي قوله سبحانه وتعالى: {النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [الحج: 72].
فهل الوعد هنا بخير أو المعنى اختلف؟ نقول: إن كانت النار موعودا فهي شر.. وإن كانت النار هي الموعودة والكفار هم الموعود بهم فهي خير للنار؛ لأن النار تفرح بتعذيب الكافرين من عباد الله.. ونعرف هذا الفرح من قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق: 30].
ولا يستزيد الإنسان إلا من شيء يحبه.. والنار- ككل شيء مسخر- مسبحة لله تكره العصاة.. ولكنها غير مأمورة بحرقهم في الدنيا.. ولكن في الآخرة تكون سعيدة وهي تحرق العصاة والكافرين. اهـ.